كنت في العيادة، أدخلت علي الممرضة أم لطيفة المظهر مع ابنتيها اللتان كانتا في عمر المراهقة، أحضرتهما لعلاج مشاكل صحية بسيطة . وبالرغم من أني لا أحب العمل في العيادة ، إلا أنها فرصة أحيانا للدردشة مع المرضى وهم في حالة صحية جيدة مقارنة بحالة المرضى عند التعامل معهم في قسم الطوارئ أو قسم الباطنية ، فأخذت اتجاذب معهم أطراف الحديث .
بعد الإنتهاء من الإستشارة الطبية وإعطاءهن بعض التعليمات وكتابة الأدوية ، والدردشات العامة مع الفتاتين خرجوا جميعا وأغلقوا الباب من وراءهم ، انصب تركيزي بعدها على شاشة الحاسوب لكتابة قصة المريضتين في ملفاتهم الطبية الإلكترونية .
في غضون دقيقة انفتح باب الغرفة مجددا ولم ألتفت نحوه لأني توقعت أن تكون الممرضة تستعجلني لإدخال المريض التالي ، ولكن بعد سماع صوت رقيق يقول لي "دكتورة" التفتُ لأجد إحدى الفتاتين تقف أمامي تسألني بشيء من خجل ، إن كان الضغوطات النفسية تهيج ما تعاني منه . كان جوابي : "نعم الضغوطات النفسية تزيد حالتك سوءاً" ، أخذت تنظر إلي وعيونها تقول لي الكثير ولكنها لم تنطق بأي شيء ، سألتها عن طبيعة الضغوطات إن كانت أمور عائلية أو دراسية ، فأجابت عائلية . شعرت برغبة عارمة في أن أقول لها شيئا يخفف عنها ويفيدها ، فأن تصارح أو تلمح لشخص تلتقي به لأول مرة عن مشاكلك فهذا يعني أن الهم/الضغط النفسي قد بلغ بك مبلغه . تذكرت نفسي كيف أني أحيانا أضطر لمواجهة ضغوطات نفسية لوحدي وبعيدا عن أهلي ، وكيف علمتني الحياة أن أهتم بنفسي دون مساعدة أحد وكيف أحارب المشاعر السلبية وأخرج منها بنفس طيبة وروح جديدة ، فأحببت أن أعطيها خلاصة تجاربي .
عندما هممت بإعطائها بعض النصائح، دخلت الأم ووقفت عند الباب ، خفت أن تكون الأم هي أحد مسببات الضغط النفسي للفتاة بالرغم من أني أشك في ذلك لأنها كانت تبدو لطيفة ، فلم استطع أن أقول الكثير.
نصحتها في عجالة بمحاربة المشاكل التي عندها والضغوطات التي تمر بها بالقراءة ، أخبرتها أن العلم يبعد عنا بضغطة زر ومتوفر في كل مكان ، وبالتعلم والقراءة تنشغل النفس بما يفيدها وقد تجد حلولا لمشاكلها ، شددت على أهمية القراءة خاصة عن كيفية حل المشكلات وتجاوز المحن والتعامل مع الضغوطات .
أخبرتها أن تختار من تصاحب بعناية فهناك أصدقاء يدخلون الحياة ليسرقوا كل معنا جميل في أرواحنا ، والصحبة الطيبة قد تكون الواحة التي تريح الروح من مشاكل الدنيا .
أخبرتها أن كثيرا من المشاعر التي تحس بها قد ترتبط بفورة الهرمونات في جسمها في فترة المراهقة فمشاعرها وانفعالاتها قد تكون وقتية وعليها أن تعرف كيف تتعامل معها ، ثم توقفت عن لعب دور المحاضر لأن وقوف الأم قد طال عند الباب وهي تستمع لما أقوله لابنتها .
خرجت البنت ولكنها شغلت تفكيري كثيرا ، لا أعرف إن كان ما قلته سيساعدها ، لكن أرجوا من الله ذلك . عضضت أصابع الندم أني لم أفكر حتى بإعطائها بريدي الإلكتروني على الأقل لتتواصل معي ، ولكن وقوف الأم عند الباب ، والسؤال الغير متوقع والجواب الغير مجّهز له جعلوني أقصر كثيرا فيما كان بإمكاني فعله لفتاة مثلها .
ما بين الحروف : "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن"
الطبيب يفد إليه ألوان منه الناس، ربما يفضي إليه بعضهم بأسرارهم، أو يطلب مشورته، ثقة بسمعة الأطباء أصحاب الإنسانية والشرف والعلم والثقافة. ما يعني تبعة إضافية تتعلق بذمة الطبيب ويفترض أن تدفعه ليخرج من تخصصه إلى مجالات أرحب من المعارف الإنسانية التي تؤهله فوق أهليته التخصصية كطبيب ليصير أيضا موجها اجتماعيا إن صح التعبير.
ReplyDeleteموقف كهذا الذي مر بك هو درس وذكرى، فكوني دائما متأهبة للإرشاد والتوجيه قدر استطاعتك، ولكن حذرة أن يزل بك الرأي أو يخونك التعبير أو لا قدر الله أن تجاوزي سمت المهنة وقواعدها .. وأجركم على الله أيها الأطباء.
لا تقلقي مجرد كلماتك ولو القليلة مسحت جبل من الهموم
ReplyDelete