Sunday, July 4, 2010

بين أروقة المستشفى : اليوم الأول

 

لازالت تفاصيل اليوم الأول راسخة في بالي ، وكأني عشتها بالأمس ، فكعادتها دائما الأشياء الأولى والأحداث الأولى ، يكون لها طعم خاص ، وجذور عميقة في الذاكرة يصعب أن تقتلع .

اليوم الأول لي في المستشفى كطالبة طب كان في يوم الخميس الموافق 3\9\2009 ،وحسب ماحسبت _لست متأكدة_ 13/رمضان 1430 هـ .

أذكر أني بعد السحور نمت وخاصة أن الدوام كان يبدأ متأخرا في الساعة التاسعة صباحا ، ولم تنفع معي صيحات المنبه لإيقاظي قبل موعد بدء الدوام ، واستيقظت الساعة التاسعة بالضبط على صوت رنين الهاتف الذي طبع على شاشاته اسم صديقتي (إيمان) .

وبعد عدة مكالمات منها ، تخبرني بمستجدات الوضع هناك ، وصلت إلى المستشفى ، وأذكر حينها بأني لم أكن أملك “بالطو” أو كما نطلق عليه lab coat ، لأني نسيت الاثنان اللذان أملكهما في الكلية ، فأعطتني (إيمان) “لاب كوتها” الثاني الاحتياطي كما اتفقت معها في اليوم الذي يسبقه .

وبعد انتظار طويل يقارب النصف ساعة أمام قسم الجراحة ، مع مجموعتي التي كانت تضم 4 فتيات وشابان من أصل أربعة ، ومزيج من مشاعر الخوف والقلق الشدييييييد من التجربة المقبلة التي سأخوضها ، سمح لنا الاستشاري في قسم الجراحة بالدخول إلى غرفته .

وتعرف علينا حينها وعلى أسمائنا وسألنا بعض الأسئلة ، وأعطانا بعض النصائح ثم قسمنا إلى مجموعتين الأولى ستكون معه في أثناء تفقده لمرضى قسم الجراحة ، و الثانية ستكون مع الاستشاري الثاني في عيادة الجراحة . وكنت أنا في مجموعته مع (شهد) و (أحمد) .

دخلنا أول غرفة في قسم الجراحة ووقفنا عند أول مريض مع الطبيب وبعض طلبة الامتياز . كان المريض كاشفا لرجله اليسرى التي يغلب عليها اللون الأسود على خلاف بقية جسمه الحنطي ، مع بعض الأصابع المبتورة ! فأصبت بصدمة فلم أتوقع أن أرى ما رأيت أبدا من أول يوم ، عضو ميت مسود وأصابع مبتورة ولحم مكشوف لا يغطيه جلد ، حتى إني لم استطع إطالة النظر في رجله _شافاه الله_ وفضلت تركيز نظري على الطبيب الذي سألنا حينها بعض الأسئلة ، وطلب منا لمس رجل المريض ، ولأني كنت الأقرب إلى رجله شعرت وكأن طلبه موجه إلي بالرغم من أنه لم يحدد أحدا إلا أن نظراته كانت موجهة إلي ، ترددت فكيف لي أن ألمس رجله وأنا لم استطع رؤيتها ، فأنقدني أحمد ولمس رجله التي كانت كالخشب ، حتى أن الطبيب طرق على رجله بالقلم ليؤكد لنا أنها يابسة فعلا ، ثم شرح لنا عن الغرغرينا وأنواعها ، وعن خطة العلاج للمريض ، وانتقلنا بعدها إلى المريض التالي .

كان المريض الثاني يعاني من necrotizing fasciitis أو كما يطلق عليه باللغة العربية بكتيريا آكلة لحوم البشر في فخذه الأيسر ، ولم أكن أعرف هذا المرض ولم أسمع به من قبل ، وأذكر إني كنت واقفة عند رجله اليمنى ولم أتمكن من رؤية فخذه الآخر ، وياليتني لم أبين فضولي الذي انتهى بأن طلب الطبيب للآخرين بأن يفسحوا لنا المجال لنرى فخذ المريض ، وقفت بجانب الطبيب عند الفخذ اليسرى للمريض، فنزل علي المنظر كالصاعقة ، كنت أشعر حينها بأن كل خلية في جسمي تصرخ : لااااااااااااااااااااااااا ، وندمت أشد الندم على فضولي الذي جعلني أرى فخذ مفتوحة من أولها لآخرها ، تستطيع منها رؤية كل طبقات اللحم في رجله . وبعد أن ناقشنا الطبيب وشرح لنا شيئا من حالته . انتقلنا إلى مريض آخر ، يقبع في المستشفى منذ شهور كما قال لنا الطبيب بسبب دخول حديدة من أسفله أدت إلى تمزيق كل مايحتويه جوفه من أمعاء ، فكان أقرب للموت من الحياة ولكن الله سلم .

و بعد أن مررنا بآخرين وكل مريض جروحه وجراحه أكبر من سابقه ، بدأت أشعر بالوهن من أثر المناظر الفظيعة و أدركت إني غير قادرة على الإكمال ، حتى وقفنا عند مريض ، لا أذكر ما به ، لأن حواسي حينها بدأت تتعطل ، فما عدت أرى أمامي سوى صورة ضبابية تسود شيئا فشيئا ، والأصوات من حولي أصبحت خافتة بالكاد أسمعها ولا أفهم شيئا منها . عرفت حينها إن لم أتدارك الموضوع فسأكون حديث الساعة لمن حولي ومن في الكلية . فتجردت من حولي وقوتي واستغثت بالله ، فأمن يجيب المضطر إذا دعاه _سبحانه_ ، وابتعدت قليلا عن المريض وأخذت أدعي من كل قلبي وبقوة أن يمدني الله القوة ولا يغمى علي . وأخذت أكرر الحوقلة ، بحرقة ورجاء كبير حتى بدأت أشعر بتحسن ، والحمدلله لم يحس أحد بي . ثم التفت إلى شهد ، وإذا بي أراها واقفة دون حراك ووجها شاحب وكأنه يخلو من أي قطرة دم ، وعيونها تحدق في الحائط ، وشفاهها صفراء اللون ، أخافني منظرها الغير طبيعي أبدا ، فنسيت نفسي وبادرت شهد بالسؤال : “ شهد ، شوفيج ؟ “  ولم ترد علي ، وعرفت حينها بأن هناك مشروع إغماء آخر XD ، فأخبرت الممرضة التي تداركت الموضوع الحمدلله ، وأجلست شهد على كرسي أحضرته ، وأخذنا نحاول أن نقنعها بأن تفطر وتشرب شيئا من الماء بعد أن بدأت تتجاوب معنا ولكنها رفضت ، وحينها انتهى الطبيب من المريض وقال لها بما معناه أنها لم ترى شيئا حتى الآن وهناك الأبشع ، ثم أمرنا بأن ننتقل إلى غرفة العمليات البسيطة أو كما يطلق عليها “minor OT” و نأخذ شهد معنا !

وفي أثناء توجهنا إلى هناك ، أصبت بحالة من الضحك الشديد لحالتنا التي كان يرثى لها ، و أنا أضحك كنت أوصف لشهد موقفنا المثير للشفقة ، ثم انخرط في نوبة من الضحك ، إلا أن شهد كانت تمشي دون تعليق . وعندما وصلنا إلى هناك ، طلبت منا طبيبة التخدير لبس مايلبسونه في العمليات ، وانتبهت إلى شهد الذي كان وجهها شاحبا فمنعتها من الدخول معنا ، وأدخلتها في غرفة لتنام على السرير ، أما أنا وأحمد فدخلنا إلى غرفة العمليات البسيطة ، وكادت أن تتكسر أرجلنا من طول وقوفنا ، حيث حضرنا 3 عمليات استطاعت شهد أن تدرك آخرها على ما أظن !

بعدها أخذتنا طبيبة واجتمعنا هنا مع بقية المجموعة ، وعلمتنا أخذ histoy أو تاريخ المريض والمرض من شخص مصاب بالتهاب في مرارته ، وانهينا اليوم بفحص نفس المريض فيزيائيا _إن صحت الترجمة_ أو كما يقال عنها physical examination . والحمدلله سمحت لنا الطبيبة بعدها بالعودة إلى منازلنا وأجسامنا تأن من التعب والإرهاق .

هذا بشكل موجز وسريع أحداث اليوم الأول ، كنت أتمنى أن أكتبها بإسهاب وأسلوب أفضل ، وأجواء أهدى خالية من 60 مقاطعة في الدقيقة الواحدة . والحمدلله إني لازلت أتمالك أعصابي التي بدأت تفقد نفسها شيئا فشيئا . =)

سأنشر هذه التدوينة وأراجعها بعد نوم الجميع ، فسامحوني على الأخطاء . وألقاكم غدا مع قصص أخرى إن شاء الله .

7 comments:

  1. صدقتي اختي العزيزة
    {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }النمل62. ...

    سبحانه جل قدرهـ
    الحمدلله الذي انار قلوبنا بالإيمان وجعلنا نلجأ إليه في كل حالاتنا
    فهناك أناس حرموا من هذه النعمة العظيمة
    اللهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
    تحياتي القلبية لك

    ReplyDelete
  2. وبخصوص موضوع الطب انا كنت متحمسة وخلاص بصير طبيبة بس المواقف اللي صارت لكم ما تشجع يمممه
    ومن هذا المنطلق اتمنى انك توصفين شعورك وتقولين لنا رأيك في الطب؟؟ وهل تنصحينا بهذا المجال؟؟ أو الإبتعاد عنه بقدر الإمكان؟؟ بليييييييز ردي على اسألتي تراني متحمسه وبقوه ابي ارسم معالم مستقبلي^_^
    مع خــــــــــــالص حبـــي وامتنــانـي

    ReplyDelete
  3. آآآه يـا لألم الفؤاد =/
    يوماً ما كان حلمي وإبنة خالتي أن نكون طبيبتان واصلت
    هي الحلم والتحقت بكليّة الطب والتحقت أنا بكليّة التربية لأحقق حلمي الآخـر ..
    قلبي لا يقوى على هكذا ألم :""

    أعانكِ الله , أنتم ذخر فليجعلكم الله
    خير ذخر لأمّة الإسلام ويعلي شأنها بكم ..
    ويثبّت أقدامكم , بوركتِ يـا حبيبة ..
    :*

    بإنتظار التتمة , روحي تجوب بين أحرفكِ بين حينٍ وآخر رغم المشـاغل ..

    بلّغكِ الرحمن المراد وحفظكِ ..

    >> كنتُ قد كتبت تعليقاً طويلاً ولكنه بطريقة ما مُسح , فاعذريني على الركاكة =/

    ReplyDelete
  4. الطب مجال ليس بسهل كما يتوقع البعض...

    جزيتم رضى الرحمن وأسكنكم الجنان على جهودكم


    وأنتظر الأحداث القادمة

    =]

    ReplyDelete
  5. دائما اول يوم له نكهته الخاصه,,
    من اولها مناظر لاتسر واغماء ,, كان الله في العون من البقية ,, الله يعينج ويوفقج ,, وكما ذكرت بوح الصمت فانتم ذخر للامة ,, وعقبال مانشوفج دكتوورة قد الدنيا *_^

    ReplyDelete
  6. ما اتوقع أبد إني أتحمل هالأشياء

    صعبـــــــــــــــــــة


    الله يعينج و يوفقج

    ReplyDelete
  7. لولي بوب : أعتقد إني قد أجبت معظم على تساؤلاتك عبر المسنجر ، وشكرا لمرورك
    _____________________________________
    بوح الصمت : أهلا بالغالية الغائبة
    والله كنت في شوق عارم لك ، وفقك الله أخيتي في دراستك وأنتم أيضا ذخر لهذه الأمة وبناة شباب المستقبل بكم ننشأ نحن الأطباء وكل يكمل بعضه البعض

    سعيدة جدا بحروفك ، فلا تقطعينا
    ______________________________________
    ماسة الكون : شكرا لمرورك يا غالية ولك المثل يارب

    ______________________________________
    ورود الأمـل : أهلا أهلا بوردتي فعلا كانت له نكهة خاصة جدا جدا ، لن أنساه
    وشكرا للمتابعة جزيتي خيرا يا حبيبة

    ______________________________________

    قطرة وفا : أنا كنت اتوقع أن لا أتحملها ولكن شيئا فشيئا اعتدنا هذه المناظر

    شكرا للمرور عزيزتي

    ReplyDelete