Tuesday, August 7, 2012

تدارك ..


إن من أشد المشاعر على القلب ، وأصعبها على النفس ، وأكثرها تأثيرا ، مشاعر الفراق وما يصاحبها من انكسار داخل الروح والجسد أحيانا . والفراق صعب بكل أنواعه سواء فارقت شخصا ، حيوانا ، جمادا ، أو شهرا فضيلا كهذا الشهر الذي اقترب توديعنا له .
وكيف لا نحزن على فراق رمضان ، وهو واحة وراحة للروح من بين كل شهور السنة ، ففيه تجبى الحسنات بأضعاف الأعمال ، و تنهل الرحمات من رب رحمن بلا حساب ، وتغفر الزلات والهفوات والإساءات وإن بلغت عنان السماء ، وتعتق الرقاب التي طالما بغت وأسرفت في حق ربها والناس ونفسها ، وفيه ليلة خير من ألف شهر ، سلام هي حتى مطلع الفجر.

وإنه لمن المؤسف أن ينتصف الشهر ، ويكتمل بدره ، ويبدأ رحلة العودة كالعرجون القديم ، ونحن نحن ، لم تغير فينا مدرسة رمضان شيء ، وما سعينا لتطهير أرواحنا الظمأى ، وما نهلنا من كلام ربنا بل رددناه وقرأناه قراءة صحيفة ومقالة ، وتعلقنا بالأرض وملذاتها تعلقنا بها في أيامنا العادية ، فكنا كما قال  ـ جل وعز ـ في محكم تنزيله: (ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه) ، في حين أن هناك من نال قصب السبق وقد يكون ممن عتقت روحه حيث أن لله في كل ليلة من ليالي رمضان عتقاء وليس فقط في العشر الأواخر.

فمالسبيل إذا ، والأيام تمر مرور الرياح بل هي أسرع ، وتتسلل من بين أيدينا غير مراعية لتهاون نفوسنا ولم يبقى من رمضان سوى أيام ؟ 
إنها دعوة لنفسي ، والمقصرين أمثالي أن نشمر عن سواعدنا فيما تبقى من أيام وأن نحسن الظن بالله فهو عند ظن عبده به . لنزاحم معاصينا بالطاعات حتى لا يكون هناك وقت للمعصية ، وإن وقعت منا معصية لا نيأس بعدها ، فالإنسان خطاء ، والله يغفر الذنوب جميعا ، ويتوب على عبده مرة بعد مرة ولهذا سمى نفسه بالتواب (صيغة مبالغة) . 

وإن من أجمل العبادات في هذا الشهر قراءة القرآن وتدبره وتعلمه ، اقتداء -بالرسول صلى الله عليه وسلم- والسلف الصالح ، حيث كان جبريل يعارض النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن في رمضان كل سنة مرة ، وفي عام وفاته عارضه مرتين . وكان الزهري -رحمه الله- إذا دخل رمضان يقول: "إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام" ، وغيرها من القصص التي تحث على الإنكباب على القرآن في شهر القرآن . وكم لتلاوة القرآن وتدبره من أثر في القلب ، ستجد بأن قلبك الحجر بدأ يلين ويخشع ، وعينك اليابسة تخشع وتدمع ، وجسدك يستجيب لهما فيهتز ويقشعر . لهذا الخير كل الخير في اقتناص ماتبقى من أيام في تلاوة كلام رب العباد ، والسعي لفهمه ، والتفكر في معانيه ، و مما ساعدني على ذلك بعض التطبيقات ك iQuran الذي من خلاله أسجل ملاحظاتي وما أخرج به من تدبر بعض الآيات ، و تطبيق القرآن الكريم لبيت التمويل الكويتي والذي استخدمه لأنه يحتوي على مختصر تفسير ابن كثير بالإضافة لكتب التفاسير الأخرى .

الشاهد من تدوينة كهذه ، ليس أن ألبس لباس الواعظة الناصحة ، فأنا والله أحوجكم لمثل هذا النصائح ، وأكثركم تقصيرا وتفريطا بهذا الشهر ، ما كتبت هذه الكلمات إلا لنفسي ، وربما قد يستنتج أني كتبتها عند انتصاف رمضان ، ثم حفظت التدوينة في الأرشيف لأني لست أهلا لأن أنصح الناس وأنا في حاجة نصح الناس ، ولكني الآن قلت في نفسي ، لعلي أنفع لاهيا نفسي .

هن أيام معدودات فأروا الله من أنفسكم خيرا ، اسأل الله أن يعينني وإياكم على حسن استغلال ماتبقى منه ، حتى لا أندم في آخر يوم من رمضان على عدم استغلاله كالعادة .





2 comments:

  1. وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين. مع بداية رمضان تنطلق الهمم، ثم يخبو بعضها مع مرور الأيام ويفتر، هذا واقع ملحوظ. فما أحسن الموعظة وما أجمل التذكرة حين تشع أنوارها الآن، والنفوس أحوج ما تكون لباعث يحثها وواعظ يرشدها. ورمضان شهر القرآن ومدرسة التقوى ومنطلق التوبة، كل يوم من أيامه بداية جديدة، هكذا يجب أن يكون. جزاك الله خيرًا أختي الكريمة على هذه الموعظة الجميلة.

    ReplyDelete
  2. وإياك أخي رحيق .. شكرا لردودك الدائمة والسريعة .. بت انتظرها دوما .
    اسأل الله أن يبلغنا في هذه الأيام ليلة القدر وأن يرزقنا قيامها إيمانا واحتسابا .

    شكرا جزيلا .

    ReplyDelete